إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
شفاء العليل شرح منار السبيل
199087 مشاهدة
أكل لحم الإبل ولو نيئا

قوله: [السابع: أكل لحم الإبل ولو نيئا] لحديث جابر بن سمرة أن رجلا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ، وإن شئت لا تتوضأ، قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل رواه مسلم .
[فلا نقض ببقية أجزائها، ككبد، وقلب، وطحال، وكرشي، وشحم، وكلية، ولسان، ورأس، وسنام، وكوارع، ومصران، ومرقي لحم، ولا يحنث بذلك من حلف لا يأكل لحما] لأنه ليس بلحم، وعنه ينقض؛ لأن اللحم يعبر عن جملة الحيوان، كلحم الخنزير قاله في الشرق .


الشرح: النقض بلحم الإبل ورد فيه حديثان صحيحان: حديث جابر وحديث البراء فلا مجال لأحد في ترك العمل بهما، فقد صححهما جمع من الأئمة، ورواهما أهل الصحيح، وقد قال بهذا الحكم- وهو نقض الوضوء بأكل لحم الإبل - الإمام أحمد .
أما الشافعية فقالوا بأن هذين الحديثين كانا في أول الأمر، وذلك عندما أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالوضوء من ما مست النار، أي من كل شيء قد طبخ بالنار، ثم كان أخر الأمرين من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء من ما مست النار وقد ثبتت أحاديث كثيرة تبين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل من كتف شاة ولم يتوضأ فدل هذا على أن الأمر بالوضوء من ما مست النار منسوخ، مع أن الأحاديث فيه كثيرة عن الصحابة.
قالت الشافعية: فهذان الحديثان- حديث جابر و البراء - منسوخان أيضا؛ لأن لحم الإبل كغيره مما مست النار، فهو لا ينقض الوضوء.
لكن الإمام أحمد بين أن هذا الحديث فيه التفريق بين لحم الإبل ولحم الغنم، وكلاهما قد موته النار، فلو كانت العلة هي مسن النار لما فرق بين الإبل والغنم، والعادة أن لحم الإبل يطبخ كما يطبخ لحم الغنم، فكيف خص هذا دون هذا؟ فالعلة إذن هي كونه من الإبل لا كونه مطبوخا؛ ولهذا قال المؤلف بأنه ينقض ولو أكله الإنسان نيئا، أي غير مطبوخ، ولم تمسه النار.
فالصحيح إذن أن لحم الإبل خاصة ينقض الوضوء دون سائر ما مسته النار، كلحم الغنم، ولحم البقر، والصيد، وغيره.
وقد اختلفوا في علة ذلك: فقيل بأنها لقوة التغذية فيه ولكن هذه العلة ليست بكافية.
وقيل: لأن الإبل تورث الخيلاء، والافتخار، وقد ورد في حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: إن الفضاضة وغلظ الطبع في الفدادين أصحاب الإبل، وإن السكينة في أهل الغنم فدل هذا على أن الإبل تورث الخيلاء، والكبرياء، والافتخار، فلذلك أمر بالوضوء من أكل لحمها، كما نهي عن الصلاة في مباركها دون مبارك الغنم، مع كون الجميع طاهرا.
وقد ورد في عدة أحاديث أن على ذروة كل بعير شيطان وأنها جن خلقت من جن .
بقي بحث آخر: وهو: هل النقض خاص بلحم الإبل دون غيره من أجزائها مما ليس بلحم، أم أنه عام في ذلك كله؟
اختار الفقهاء أن النقض خاصة باللحم الأحمر فقط، كلحم الفخذين، والظهر، وما أشبهه، أما بقية أجزائها كاللسان، والأمعاء، والمشافر، ونحوها، فإنها لا تنقض الوضوء، وهكذا الكرش، والكبد، والقلب، والرئة، والطحال، والسنام؛ لأن هذا كله ليس بلحم.
والقائلون بهذا تمسكوا بالظاهر من كلمة (لحم) فقصروا النقض على ما يسمى لحما، ولكن هذا التمسك قصور منهم، وذلك لأن اللحم يطلق على جميع الأجزاء، ولعل هذا هو الراجح، وهو أن جميع أجزاء الإبل التي تؤكل تنقض الوضوء، ولو شحما.
أما الذي يشرب ولا يؤكل، كالمرق، والدهن، فإنه لا ينقض.
وهذا كالخنزير، فإن الأمة متفقة على أن جميع أجزائه نجسة، وأنه حرام، حتى جلده، وروثه، وجميع ما ينفصل عنه، ولم يقولوا بأن شحمه، أو كبده حلالا لأن النص كان على اللحم.
فلما كان النص عاما لأجزاء الخنزير فكذلك لحم الإبل يعم جميع ما يؤكل من أجزائه .